فصل: مطلب النسخ لا يدخل الأخبار والوعد والوعيد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب النسخ لا يدخل الأخبار والوعد والوعيد:

ولا معنى للقول بنسخها بآية السيف وكذلك آية: {واصبر} الآتية لأنهما من الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ وكذلك الآيات المشتملة على الوعد والوعيد وما فيه معنى التعجيل كقوله تعالى: {فاعْفُوا واصْفحُوا} الآية 109 من سورة البقرة بإجماع علماء التفسير قال تعالى: {وأُمْلِي لهُمْ} فأمتعهم بالنعم وأطيل أعمارهم وامهلهم فلا أعجّل عليهم {إِنّ كيْدِي متِينٌ 45} قوي جدا لا يقدر الخلق على نقضه وليعلم ان ما جاء في القرآن من ألفاظ الكيد والمكر والخداع والنسيان من قبل اللّه تعالى عز وجل هي على سبيل المقابلة لأن ذاته تعالى منزهة عنها وقد أجريتها علي ظاهرها لمعلوميتها وقد آتي بما يراد منها لفظا أو معنى تقريبا لفهم القارئ قال تعالى: {أمْ تسْئلُهُمْ أجْرا} على تبليغ الرسالة لهم وإرشادك إياهم {فهُمْ مِنْ مغْرمٍ مُثْقلُون 46} لا يستطيعون حمل تلك الغرامة المالية حتى يمتنعوا من الإيمان بك ويعرضوا عنك كلا لا تطلب منهم شيئا، فكان اعراضهم عنك عنادا وتكبرا ليس إلا، وهذه الجملة معطوفة على جملة {أم لهم شركاء} المارة {أم عندهم الغيب} بما هو باللوح المحفوظ لدينا {فهُمْ يكْتُبُون 47} منه ما يحكمون به ويستغنون عن علمك، وهذا الاستفهام على طريق الإنكار أي ليس لهم ولا عندهم شيء من ذلك.
وهذه الآيات المدنيات الأخيرة من 48 إلى 50 النازلة في واقعة أحد مع الآيات 122 فما بعدها من آل عمران في ج 3 كما سنبينه هناك، قال تعالى: {فاصْبِرْ لِحُكْمِ ربِّك} على أذى قومك وامهلهم {ولا تكُنْ كصاحِبِ الْحُوتِ} السيد يونس عليه السلام في الضجر والعجلة فتبتلى كما ابتليناه.

.مطلب معنى الكيد والمكر والآيات المدنيات الأخر:

واذكر {إِذْ نادى} ربه وهو في بطن الحوت الذي ابتلعه عقوبة استعجاله أمر ربه باهلاك قومه وغضبه لرفع العذاب عنهم وقد تركهم وذهب {وهُو مكْظُومٌ 48} ممتلئ غيظا واعلم أنه {لوْ لا أنْ تداركهُ نِعْمةٌ مِنْ ربِّهِ} بإلهامه التوبة والندم واجابة دعائه الذي الهمناه إياه وهو في بطن الحوت كما سيأتي في الآية 88 من سورة الأنبياء ج 2 وقبول عذره الذي اعتذر به الآتي أيضا هناك {لنُبِذ بِالْعراءِ} بفضاء من الأرض ولم ننبت عليه ما يقيه من الشمس والهواء مع ما هو عليه من الضعف الذي لحقه في بطن الحوت {وهُو مذْمُومٌ 49} على ما وقع منه معاتب بما فعله مؤاخذ بزلّته، ولكن تداركته الرحمة فأنبت عليه ما أظله ووقاه، وحميته من كافة الهوام والوحوش كما حميته في بطن الحوت ولهذا فلم ينبذ مذموما، واعلم أن ما وقع منه يعد ذنبا بالنسبة لمقامه على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين وإلا فهو بالنسبة لغيره عبارة عن خلاف الأولى وليس بذنب.
ويماثل هذه الآية الآية 24 من سورة يوسف وهي: {لوْ لا أنْ رأى بُرْهان ربِّهِ} أي لهمّ ولكنه لم يهم لوجود البرهان كما سيأتي تفصيله هناك، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 146 من سورة الصافات فراجعه، قال تعالى: {فاجْتباهُ} اصطفاه واختاره {ربّه} ورد عليه حالته الأولى من الصحة والعافية والنبوة والرسالة {فجعلهُ مِن الصّالِحِين 50} الكاملين في الصلاح ومحى زلته وما قيل أن هذه الحادثة كانت قبل النبوة مردود بقوله تعالى في الآية 140 من سورة الصافات المذكورة {وإِنّ يُونُس لمِن الْمُرْسلِين}.
وهذه آخر الآيات المدنيات وسبب نزولها أن حضرة الرسول أراد أن يدعو على الذين انهزموا في واقعة أحد السنة الثالثة من الهجرة في شهر شوال سنة 56 من الولادة الشريفة إذ اشتد بالمسلمين الأمر فنزلت تذكيرا لحضرته بما وقع للسيد يونس عليهما الصلاة والسلام وهي أيضا كالمعترضة كما ذكرناه في تفسير الآية 33 المارة فراجعها.
قال تعالى: {وإِنْ} مخففة من الثقيلة والفرق بينها وبين أن النافية أنّ أن النافية لا يعقبها اللام والمخففة لابد أن يعقبها ولذلك يسمونها اللام الفارقة {يكادُ الّذِين كفرُوا ليُزْلِقُونك} بضم الياء وفتحها أي يزلّون قدمك ليرموك وقرأ بن عباس والأعمش وعيسى ليزهقونك أي يهلكونك وهي كالتفسير وليست من القرآن كما ذكرنا لك في المطلب العاشر في بحث القراءات {بأبصارهم} بشدة نظرهم إليك بها سزرا بعين العداوة فيكادون يصيبونك بأعينهم، روي أن بني أسد كانوا عيّانين حتى أن الناقة أو البقرة إذا مرت بهم يعاينونها ثم يقولون لجارتهم خذي المكتل والدراهم وآتينا بلحم منها فما تبرح حتى تقع فتنكسر أو ترض فتذبح، وكان الرجل منهم يتجوع يومين أو ثلاثة فلا يمر به شيء إلا ويقول لم أر مثله ليعيبه فيهلك، فكلفوا هذا الرجل أن يصيب الرسول بالعين وصارت قريش تقول كلما مر الرسول ما رأينا مثله قط بذلك القصد وليصرفوه عن القيام بما أمره به ربه فعصمه اللّه منهم ولم يستطيعوا بوجه من الوجه أن يصرفوه عن تبليغ رسالته وانزل هذه الآية.
{لمّا سمِعُوا الذِّكْر} القرآن العظيم لكرامتهم إياه {ويقولون} عند سماعه منه {إِنّهُ لمجْنُونٌ 51} لجهلهم حقيقته ولتنفير الناس عنه فرد اللّه عليهم بقوله الأزلي {وما هُو} الذي تصفون به رسولي بالجنة لقراءته لكم إن هو {إِلّا ذِكْرٌ لِلْعالمِين 52} أجمع يتذكرون به ما وقع على الأمم السابقة ويتعظون بأوامره ونواهيه فليس بخرافات الأولين ولا سحر ولا كهانة ولا شعر بل هو كلام اللّه الأزلي المشتمل على ما كان وما يكون من أمر الدنيا والآخرة فمن وفقه اللّه لفهمه شرح صدره، ومن خذله جعله ضيقا حرجا لا يعيه ولا يفهمه، راجع تفسير الآية 125 من سورة الأنعام.
ترشد إلى هذا.
قال ابن عباس وقال الحسن دواء إصابة العين قراءة هذه الآية.
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال «العين حق».
وزاد البخاري «ونهى عن الوشم»، وروى مسلم عن أبي عباس أن رسول اللّه قال «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا».
وعن عبد اللّه بن رفاعه الرزقي «أن أسماء بنت عميس كانت تقول يا رسول اللّه إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم قال نعم، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين».
أخرجه الترمذي.
وجاء في روح البيان قد صح من طرق عديدة أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر، وعن أبي ذر مرفوعا «أن العين لتولع بالرجل بإذن اللّه تعالى جى يصعد حالقا (الجبل الشامخ) ثم يتردى منه».
فيفهم من هذا الخبر ان المعان تعتربه حالة الجنون لذلك تسوقه إلى طرح نفسه إرادة قتلها، هذا وقد أنكر المبتدعة هذه الأحاديث التي أخذ بها جماهير العلماء ويرد قولهم ويدحض انكار (القاعدة) وهي أن كل معنى ليس مخالفا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فانه جائز عقلا فإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه كهذا فان مذهب أهل السنة والجماعة ان العين إنما تفسد وتهلك عند مقابلة الشخص العاين بشخص آخر فتؤثر فيه بقدرة اللّه تعالى وفعله وقوله صلى الله عليه وسلم «ولو كان شيء سابق لقدر لسبقته العين» فيه اثبات القدر وانه حق ومعناه أن الأشياء كلها بقدر اللّه ولا يقع شيء على أحد إلا بحسب ما قدره وسبق به علمه راجع الآية 78 من سورة النساء فما بعدها، هذا ولا يقع ضرر العين من خير أو شر إلا بقدرة اللّه وفيه حجة اثبات المعين وانها قوية الضرر إذا وافقها القدر وليعلم أن العين من خصائص بعض النفوس وللّه أن يخص من شاء بما شاء، ويعطي بعض الحواس قوة لا تكون في العين وذلك من عجائب قدرته وعظائم صنعه لأنه تعالى طوى في هذه النفس أسرارا تتحير منها العقول ولا ينكرها إلا الجهول ولهذا البحث صلة في الآية 67 من سورة يوسف (ومن باب التأثير) التأثير بالقوة الكهربائية فقد شوهد أن بعض الناس يكرر النظر إلى بعض الأشخاص من فرقه إلى قدمه فيصرعه كالمغشي عليه وقد يوجه نفسه إليه فيضعف قواه فيغشاه النوم ويتكلم بالعجائب.
الحكم الشرعي: لا يسع العاقل انكار تأثير العين بالصورة التي وصفناها لكثرة الأحاديث الواردة فيها ومشاهدة آثارها قديما وحديثا، وقد تقع من النفوس الزكية عند استحسان بعض الأشياء كما تقع من النفوس الخبيثة عند كراهتها إياه وعلى المعاين أن يجتنب ذلك ويعتزل الناس وإلا فعلى الامام حبسه ومنعه من مخالطتهم كفا لضرره وينفق عليه من بيت المال، وان لم يفعل، فعلى الأمة أن تطالبه بذلك.
هذا ويوجد أربع سور في القرآن مختومة بما ختمت به هذه السورة، هذه والتكوير والصافات والزمر، واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة {ن والقلم} مكية.
وتقدم الكلام على {ن} وقيل هو الحوت الذي دحيت عليه الارضون وقيل الدواة.
{ما أنت بنعمة ربك بمجنون} جواب الأقسام وهو وقف كاف إن جعل ما بعده مستأنفا وليس بوقف إن جعل من تمام الجواب.
وكذا الحكم في {ممنون}.
{لعلي خلق عظيم} كاف وقال أبو عمرو كأبي حاتم تام.
{بأبيكم المفتون} تام.
{بالمهتدين} كاف.
{فيدهنون} حسن.
{مهين} جائز.
{زنيم} كاف لمن قرأ {أن كان ذا مال} على الاستفهام التوبيخي أو على الخبر وعلقه بقال بعده أو يجحد محذوفا وليس بوقف لمن قرأه على الخبر وعلقه بقوله: {ولا تطع} أو بما يدل عليه وتقدير يعتدي ويطغي لان كان ذا مال وبنين.
{أساطير الأولين} كاف.
{على الخرطوم} تام.
{ولا يستثنون} كاف.
{كالصريم} صالح.
{صارمين} كاف وكذا {مسكين} و{محرومون} و{تسبحون} و{ظالمين}.
{يتلاومون} صالح وكذا {طاغين}.
{راغبون} حسن.
وأحسن منه {كذلك العذاب}.
{يعلمون} تام. وكذا {جنات النعيم}.
{ما لكم} جائز.
{كيف تحكمون} كاف وكذا {تخبرون} و{لما تحكمون}.
وأجاز بعضهم الوقف على {تدرسون}.
{زعيم} صالح ويبتدئ بـ: {أم لهم شركاء} بمعنى ألهم شركاء وكذا {صادقين}.
{فلا يستطيعون} كاف إن نصب {خاشعة} بفعل مقدر تقديره تراهم خاشعة وليس بوقف إن نصب حالا من مرفوع {يدعون}.
{ترهقهم ذلة} كاف وكذا {وهم سالمون} و{الحديث}.
{لا يعلمون} جائز وكذا {وأملى لهم}.
{متين} صالح وكذا {مثقلون}.
{يكتبون} حسن.
{مكظوم} كاف.
{من الصالحين} حسن وكذا {لمجنون} وقال أبو عمرو في الأول تام وفي الثاني كاف.
آخر السورة تام. اهـ.